فصل: امرأة كانت تحيض ستة أيام في أول كل شهر ثم استمر الدم معها فما الحكم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب الحيض

‏(‏213‏)‏ سُئل فضيلة الشيخ - رفع الله درجته في المهديين - عن تحديد بعض الفقهاء أول الحيض بتسع سنين وتحديد آخره بخمسين سنة، هل عليه دليل‏؟‏

فأجاب فصيلته بقوله ‏:‏ تحديد أول الحيض بتسع سنين وآخره بخمسين سنة ليس عليه دليل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ تحديد أول الحيض بتسع سنين وآخره بخمسين سنة ليس عليه دليل، والصحيح أن المرأة متى رأت الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو حيض،لعموم قوله الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏}‏ فقد علق الله الحكم على وجود الحيض، ولم يحدد لذلك سناَ معيناً، فيجب الرجوع إلى ما علق عليه الحكم وهو الوجود، فمتى وجد الحيض ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت له حكم، فمتى رأت المرأة الحيض فهي حائض، وإن كانت دون التسع أو فوق الخمسين؛ لأن التحديد يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك‏.‏

‏(‏214‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن امرأة تجاوزت الخمسين يأتيها الدم على الصفة المعروفة، وأخرى تجاوزت الخمسين يأتيها الدم غير الصفة المعروفة، وإنما صفرة أو كدرة‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله‏:‏ التي يأتيها دم على صفته المعروفة يكون دمها دم حيض صحيح على القول الراجح ، إذ لا حد لأكثر سن الحيض وعلى هذا فيثبت لدمها أحكام دم الحيض المعروفة من اجتناب الصلاة والصيام ولزوم الغسل وقضاء الصوم ونحو ذلك‏.‏

وأما التي يأتيها صفرة وكدرة فالصفرة والكدرة إن كانت في زمن العادة فحيض، وإن كانت في غير زمن العادة فليست بحيض، وأما إن كان دمها دم الحيض المعروف لكن تقدم أو تأخر فهذا لا تأثير له، بل تجلس إذا أتاها الحيض وتغتسل إذا انقطع عنها‏.‏ وهذا كله على القول الصحيح من أن سن الحيض لا حد له، أما على المذهب فلا حيض بعد خمسين سنة وإن كان دماً أسود عادياً، وعليه فتصوم وتصلي ولا تغتسل عند انقطاعه لكن هذا القول غير صحيح‏.‏

‏(‏215‏)‏ وسُئل الشيخ‏:‏ عن الدم الذي يخرج من الحامل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحامل لا تحيض، كما قال الإمام أحمد - رحمه الله - إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض‏.‏ والحيض - كما قال أهل العلم - خلقه الله تبارك وتعالى لحكمة غذاء الجنين في بطن أمه، فإذا نشأ الحمل انقطع الحيض، لكن بعض النساء قد يستمر بها الحيض على عادته كما كان قبل الحمل، فيكون هذا الحيض مانعاً لكل ما يمنعه حيض غير الحامل، فيكون هذا الحيض مانعاً لكل ما يمنعه حيض غير الحامل، فيكون هذا الحيض مانعاً لكل ما يمنعه حيض غير الحامل، وموجباً لما يوجبه، ومسقطاً لما يسقطه، والحاصل أن الدم الذي يخرج من الحامل على نوعين‏:‏

النوع الأول‏:‏ نوع يحكم بأنه حيض، وهو الذي استمر بها كما كان قبل الحمل، لأن ذلك دليل على أن الحمل لم يؤثر عليه فيكون حيضاً‏.‏

والنوع الثاني‏:‏ دم طرأ على الحامل طروءاً ، إما بسبب حادث، أو حمل شيء، أو سقوط من شيء ونحوه، فهذا ليس بحيض وإنما هو دم عرق، وعلى هذا فلا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام فهي في حكم الطاهرات‏.‏

‏(‏216‏)‏ وسُئل ‏:‏ هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام على الصحيح، لقول الله عز وجل ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه، زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسن أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيناً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فبناء عليه، فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا أن يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذ يكون دم استحاضة‏.‏

‏(‏217‏)‏ وسُئل الشيخ ‏:‏ هل تجوز صلاة الحائض وإن صلت حياء‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلاً ‏:‏ صلاة الحائض لا تجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - ‏(‏أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏)‏ ‏.‏ والحديث ثابت في الصحيحين فهي لا تصلي، وتحرم عليها الصلاة ولا تصح منها، ولا يجب عليها قضاؤها، لقول عائشة - رضي الله عنها - كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة‏.‏ وصلاتها - حياء - حرام عليها، ولا يجوز لها أن تصلي وهي حائض، ولا أن تصلي وهي قد طهرت ولم تغتسل، فإن لم يكن لديها ماء فإنها تتيمم وتصلي حتى تجد الماء ثم تغتسل ‏.‏ والله الموفق‏.‏

‏(‏218‏)‏ وسُئل ‏:‏ عن امرأة صلت حياء وهي حائض فما حكم عملها هذا‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساءً أن تصلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة‏:‏ ‏(‏أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏)‏‏.‏ وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها‏.‏

‏(‏219‏)‏ وسُئل الشيخ ‏:‏ عن امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن الحيض دم متى وجد وجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ولم ينزل الحيض، فإنها تصلي وتصوم ولا تقضي الصوم، لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏}‏ فمتى وجد هذا الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه‏.‏

‏(‏220‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ يجوز للحائض أن تقرأ القرآن للحاجة، مثل أن تكون معلمة، فتقرأ القرآن للتعليم، أو تكون طالبة فتقرأ القرآن للتعلم، أو تكون تعلم أولادها الصغار أو الكبار، فترد عليهم وتقرأ الآية قبلهم‏.‏ المهم إذا دعت الحاجة إلى قراءة القرآن للمرأة الحائض، فإنه يجوز ولا حرج عليها، وكذلك لو كانت تخشى أن تنساه فصارت تقرؤه تذكراً، فإنه لا حرج عليها ولو كانت حائضاً، على أن بعض أهل العلم قال‏:‏ إنه يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن مطلقاً بلا حاجة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ إنه يحرم عليها أن تقرأ القرآن ولو كان لحاجة‏.‏

فالأقوال ثلاثة والذي ينبغي أن يقال هو‏:‏ أنه إذا احتاجت إلى قراءة القرآن لتعليمه أو تعلمه أو خوف نسيانه، فإنه لا حرج عليها‏.‏

‏(‏221‏)‏ سُئل - حفظه الله تعالى - ‏:‏ هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد‏؟‏

فأجاب فضيلته قائلاً‏:‏ المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد‏.‏

وأما مرورها بالمسجد فلا بأس به، بشرط أن تأمن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدم، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد، فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن، اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر، لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكئ في حجر عائشة، فيقرأ القرآن وهي حائض، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه للاستماع للذكر، أو القراءة، فإن ذلك لا يجوز، ولهذا لما أبلغ النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أن صفية كانت حائضاً قال‏:‏ ‏(‏أحابستنا هي‏؟‏‏)‏ ظن ، صلى الله عليه وسلم ، - أنها لم تطف طواف الإفاضة - فقالوا إنها قد أفاضت، وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة‏.‏ عنه أنه أمر النساء أن يخرجن إلى مصلى العيد للصلاة والذكر، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى‏.‏

‏(‏222‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ إذا طلب الزوج زوجته في آخر العادة الشهرية فهل توافق على ذلك‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا السؤال يدل على أن المرأة عارفة أن المرأة إذا كانت عليها العادة الشهرية أنه لا يجوز لزوجها أن يجامعها وهذا أمر معلوم لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏}‏ وقد أجمع العلماء على أنه يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في حال الحيض ويجب على الزوجة أن تمنع زوجها من ذلك وأن تخالفه ولا توافقه في طلبه لأن ذلك محرم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

وأما الاستمتاع بالزوجة إذا كان عليها العذر في غير جماع فإنه لا بأس به، كما لو استمتع بها خارج الفرج، ولكن إن حصل إنزال وجب الغسل، وإن لم يحصل إنزال فلا غسل، وإذا أنزل الرجل دون المرأة وجب على الرجل ولم يجب على المرأة، وإذا أنزلت دون الرجل وجب عليها الغسل دون الرجل، وإذا أنزل كل من المرأة والرجل وجب عليهما جميعاً لأن الغسل يجب إما بالإنزال بأي سبب يكون وإما بالجماع أي بالإيلاج في الفرج وإن لم يحصل إنزال،و هذه المسألة - أعني وجوب الغسل بالجماع إذا لم ينزل - هذه مسألة كثير من الناس يجهلها‏.‏

وبهذه المناسبة أقول‏:‏ إن المرأة إذا كان عليها غسل من جنابة فإنه يجب عليها أن تغسل جميع بدنها وشعرها وما تحت الشعر ولا تترك شيئاً من ذلك لأن الله تعالى يقول ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا‏}‏‏.‏ ولم يخص شيئاً من البدن دون شيء، فيجب على المرأة أن تغسل جميع بدنها، وإذا كان على الإنسان لزقة على جرح أو على فتق في الأضلاع أو غيرها فإنه يمسحه بالماء ويكفي ذلك عن غسله ولا يحتاج إلى التيمم لأن مسحه يقوم مقام غسله في هذه الحال‏.‏

‏(‏223‏)‏ وسُئل فضيلته عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى ، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة ، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء‏.‏

‏(‏224‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم‏؟‏ وهل تقضي الصلاة عن وقت الحيض‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلاً فإنها بعد أن تتطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً‏}‏‏.‏

ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل‏:‏ ‏(‏أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏)‏‏.‏ وأجمع أهل العلم على أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها أثناء مدة الحيض‏.‏

أما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر‏)‏‏.‏ فإذا طهرت وقت العصر أو قبل طلوع الشمس وكان باقياً على غروب الشمس أو طلوعها مقدار ركعة فإنها تصلي العصر في المسألة الأولى والفجر في المسألة الثانية‏.‏

‏(‏225‏)‏ وسُئل فضيلته ‏:‏ عن امرأة أجرت عملية وبعد العملية وقبل العادة بأربعة أو خمسة أيام رأت دماً أسوداً غير دم العادة وبعدها مباشرة جاءتها العادة مدة سبعة أيام فهل هذه الأيام التي قبل العادة تحسب منها‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ المرجع في هذا إلى الأطباء لأن الظاهر أن الدم الذي حصل لهذه المرأة كان نتيجة العملية، والدم الذي يكون نتيجة العملية ليس حكمه حكم الحيض لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة المستحاضة ‏:‏ ‏(‏إن ذلك دم عرق‏)‏‏.‏ وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق ومنه دم العملية فإن ذلك لا يعتبر حيضاً فلا يحرم به ما يحرم بالحيض وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان‏.‏

‏(‏226‏)‏ وسُئل‏:‏ عن امرأة كانت عادة حيضها ستة أيام، ثم زادت أيام عادتها‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً، فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حداً معيناً في الحيض، وقد قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏}‏ فمتى كان هذا الدم باقياً ، فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي ، فإذا كان جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي، سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة أو زائداً عنها أو ناقصاً ، وإذا طهرت تصلي‏.‏

‏(‏227‏)‏ وسُئل ‏:‏ عن امرأة كانت تحيض في أول الشهر ثم رأت الحيض في آخر الشهر، فما الحكم‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ إذا تأخرت عادة المرأة عن وقتها، مثل أن تكون عادتها في أول الشهر فترى الحيض في آخره، فالصواب أنها متى رأت الدم فهي حائض، ومتى طهرت منه فهي طاهر، لما تقدم آنفاً‏؟‏

‏(‏228‏)‏ وسُئل ‏:‏ عن امرأة كانت تحيض في آخر الشهر ثم رأت الحيض في أول الشهر، فما الحكم‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ إذا تقدمت عادة المرأة عن وقتها، مثل أن تكون عادتها في آخر الشهر فترى الحيض في أوله، فهي حائض كما تقدم‏.‏

‏(‏229‏)‏ وسُئل الشيخ ‏:‏ عن المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل ثم طهرت وصلت أحد عشر يوماً وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ الحيض متى جاء فهو حيض سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض وهكذا أبداً، كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً أو كان لا ينقطع إلا يسيراً فإنها تكون مستحاضة وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط‏.‏

‏(‏230‏)‏ وسُئل الشيخ ‏:‏ عن امرأة كانت تحيض ستة أيام في أول كل شهر ثم استمر الدم معها، فما الحكم‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله‏:‏ هذه المرأة التي كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر ، ثم طرأ عليها الدم فصار يأتيها باستمرار، عليها أن تجلس مدة حيضها المعلوم السابق، فتجلس ستة أيام من أول كل شهر ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، فتغتسل وتصلي ولا تبالي بالدم حينئذ، لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت ‏:‏ يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري، وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لأم حبيبة بنت جحش‏:‏ ‏(‏امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي‏)‏‏.‏

‏(‏231‏)‏ سُئل الشيخ ‏:‏ عن امرأة عادتها عشرة أيام، وفي شهر رمضان جلست العادة أربعة عشر يوماً وهي لم تطهر وبدأ يخرج منها دم لونه أسود أو أصفر ومكثت على هذه الحالة ثمانية أيام وهي تصوم وتصلي في هذه الأيام الثمانية فهل صلاتها وصيامها في هذه الأيام الثمانية صحيح‏؟‏ وماذا يجب عليها‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحيض أمره معلوم عند النساء وهن أعلم به من الرجال ، فإذا كانت هذه المرأة التي زاد حيضها عن عادتها إذا كانت تعرف أن هذا هو دم الحيض المعروف المعهود فإنه يجب عليها أن تجلس وتبقى فلا تصلي ولا تصوم، إلا إذا زاد على أكثر الشهر فيكون استحاضة ولا تجلس بعد ذلك إلا مقدار عادتها‏.‏

وبناءً على هذه القاعدة نقول لهذه المرأة إن الأيام التي صامتها بعد أن طهرت ثم رأت هذا الدم المتنكر الذي تعرف أنه ليس دم حيض وإنما هو صفرة أو كدرة أو سواد أحياناً فإن هذا لا يعتبر من الحيض وصيامها فيه صحيح مجزئ وكذلك صلاتها غير محرمة عليها‏.‏

‏(‏232‏)‏ سُئل‏:‏ عن حكم السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة قل الحيض بيومين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان هذا السائل أصفر قبل أن يأتي الحيض فإنه ليس بشيء لقول أم عطية‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً‏)‏ ‏.‏ فإذا كانت هذه الصفرة قبل الحيض ثم تنفصل بالحيض فإنها ليست بشيء ، أما إذا علمت المرأة أن هذه الصفرة هي مقدمة الحيض فإنها تجلس حتى تطهر‏.‏

‏(‏233‏)‏ وسُئل الشيخ - حفظه الله تعالى - ‏:‏ عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ تقول أم عطية - رضي الله عنها - ‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً‏)‏ ‏.‏ وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لا سيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة‏.‏

‏(‏234‏)‏ سُئل الشيخ ‏:‏ عن حكم الصفرة والكدرة التي تكون بعد الطهر‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ مشاكل النساء في الحيض بحر لا ساحل له ، ومن أسبابه استعمال هذه الحبوب المانعة للحمل والمانعة للحيض، وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة من قبل، صحيح أن الإشكال ما زال موجوداً منذ وجد النساء، لكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له ، ولكن القاعدة العامة ‏:‏ أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض‏.‏ قالت أم عطية ‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً‏)‏ ‏.‏ أخرجه البخاري وزاد أو داود ‏(‏بعد الطهر‏)‏، وسنده صحيح‏.‏

وعلى هذا نقول‏:‏ كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة، ولا تمنعها من صلاتها وصيامها وجماع زوجها إياها ، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر ، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر ، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بالكرسف - يعني القطن - فيه الدم فتقول لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء‏.‏

‏(‏235‏)‏وسُئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم الصفرة التي تأتي المرأة بعد الطهر‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ القاعدة العامة في هذا وأمثاله ، أن الصفرة والكدرة بعد الطهر ليست بشيء ، لقول أم عطية - رضي الله عنها - ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً‏)‏ ، كما أن القاعدة العامة أيضاً أن لا تتعجل المرأة إذا رأت توقف الدم حتى ترى القصة البيضاء، كما قالت عائشة - رضي الله عنها - للنساء وهن يأتين إليها بالكرسف - يعني القطن - ‏(‏لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء‏)‏‏.‏

وبهذه المناسبة‏:‏ أحذر النساء تحذيراً بالغاً من استعمال الحبوب المانعة من الحيض ، لأن هذه الحبوب - كما تقرر عندي من أطباء سألتهم - في المنطقة الشرقية والغربية وهم من السعوديين والحمد لله، وكذلك أطباء من الإخوة المنتدبين إلى هذه المملكة في المنطقة الوسطى - وكلهم مجمعون على أن هذه الحبوب ضارة ، ومن أعظم ما يكون فيها من المضرة أنها سبب لتقرح الرحم ، وأنها سبب لتغير الدم واضطرابه، وهذا مشاهد وما أكثر الإشكالات التي ترد على النساء من أجلها، وأنها سبب لتشوه الأجنة في المستقبل ، وإذا كانت الأنثى لم تتزوج فإنه يكون سبباً في وجود العقم أي أنها لا تلد، وهذه مضرات عظيمة، ثم إن الإنسان بعقله - وإن لم يكن طبيباً - وإن لم يعرف الطب ، يعرف أن منع هذا الأمر الطبيعي الذي جعل الله له أوقاتاً معينة، يعرف أن منعه ضرر كما لو حاول الإنسان أن يمنع البول أو الغائط، فإنه هذا ضرر بلا شك، كذلك هذا الدم الطبيعي الذي كتبه الله على بنات آدم، لا شك أن محاولة منعه من الخروج في وقته ضرر على الأنثى، وأنا أحذر نساءنا من تداول هذه الحبوب، وكذلك أحب من الرجال أن ينتبهوا لهذا ويمنعوهن‏.‏ والله الموفق‏.‏

‏(‏236‏)‏ وسُئل فضيلته ‏:‏ عن حكم استعمال حبوب منع الحيض‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ استعمال المرأة حبوب منع الحيض إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية، فإنه لا بأس به، بشرط أن يأذن الزوج بذلك، ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة، ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي ، والشيء الطبيعي إذا مُنع في وقته، فإنه لا بد أن يحصل من منعه ضرر على الجسم، وكذلك أيضاً من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على المرأة عادتها، فتختلف عليها، وحينئذ تبقى في قلق وشك من صلاتها ومن مباشرة زوجها وغير ذلك، لهذا أن لا أقول إنها حرام ولكني لا أحب للمرأة أن تستعملها خوفاً من الضرر عليها‏.‏

وأقول ‏:‏ ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدر الله لها، فالنبي صلى الله عليه وسلم ، ‏(‏دخل عام حجة الوداع على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وهي تبكي وكانت قد أحرمت بالعمرة فقال ‏:‏ مالك لعلك نفست‏؟‏ ‏.‏ قالت ‏:‏ نعم ‏.‏ قال‏:‏ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم‏)‏ ‏.‏ فالذي ينبغي للمرأة أن تصبر وتحتسب، وإذا تعذر عليها الصوم والصلاة من أجل الحيض، فإن باب الذكر مفتوح ولله الحمد، تذكر الله وتسبح الله سبحانه وتعالى، وتتصدق وتحسن إلى الناس بالقول والفعل، وهذا أفضل الأعمال‏.‏

‏(‏237‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ ما حكم السوائل التي تنزل من بعض النساء ، وهل هي نجسة‏؟‏ وهل تنقض الوضوء‏؟‏

فأجاب - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً - بقوله ‏:‏ هذه الأشياء التي تخرج من فرج المرأة لغير شهوة لا توجب الغسل ، ولكن ما خرج من مخرج الولد فإن العلماء اختلفوا في نجاسته‏:‏

فقال بعض العلماء‏:‏ إن رطوبة فرج المرأة نجسة ويجب أن تتطهر منها طهارتها من النجاسة‏.‏

وقال بعض العلماء ‏:‏ إن رطوبة فرج المرأة طاهرة، ولكنها تنقض الوضوء إذا خرجت، وهذا القول هو الراجح ، ولهذا لا يغسل الذكر بعد الجماع غسل نجاسة‏.‏

أما ما يخرج من مخرج البول فإنه يكون نجساً لأن له حكم البول والله عز وجل قد جعل في المرأة مسلكين‏:‏ مسلكاً يخرج منه البول، ومسكاً يخرج منه الولد، فالإفرازات التي تخرج من المسلك الذي يخرج منه الولد ، إنما هي إفرازات طبيعية وسوائل يخلقها الله عز وجل في هذا المكان لحكمه، وأما الذي يخرج من ما يخرج منه البول، فهذا يخرج من المثانة في الغالب، ويكون نجساً والكل منها ينقض الوضوء، لأنه لا يلزم من الناقض أن يكون نجساً؛ فها هي الريح تخرج من الإنسان وهي طاهرة لأن الشارع لم يوجب منها استنجاء، ومع ذلك تنقض الوضوء‏.‏

‏(‏238‏)‏ وسُئل الشيخ‏:‏ هل السائل الذي ينزل من المرأة طاهر أو نجس‏؟‏ وهل ينقض الوضوء‏؟‏ فبعض النساء يعتقدن أنه لا ينقض الوضوء‏.‏

فأجاب قائلاً‏:‏ الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر، ولكنه ينقض الوضوء وغن كان طاهراً، لأنه لا يشترط للناقض للوضوء أن يكون نجساً، فها هي الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم، ومع ذلك تنقض الوضوء، وعلى هذا إذا خرج من المرأة وهي على وضوء، فإنه ينقض الوضوء وعليها تجديده، فإن كان مستمراً، فإنه لا ينقض الوضوء، ولكن لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها وتصلي في هذا الوقت الذي تتوضأ فيه فروضاً ونوافل وتقرأ القرآن وتفعل ما شاءت مما يباح لها، كما قال أهل العلم نحو هذا فيمن به سلس البول‏.‏

هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة فهو طاهر، لا ينجس الثياب ولا البدن‏.‏

وأما حكمه من جهة الوضوء، فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها، فإن كان مستمراً فإنه ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ‏.‏

أما إن كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة، فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش الوقت، فإن خشيت خروج الوقت، فإنها تتوضأ وتتلجم ‏(‏تتحفظ‏)‏ وتصلي‏.‏ ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره‏.‏

وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء، فهذا لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم - رحمه الله - فإنه يقول‏:‏ إن هذا لا ينقض الوضوء، ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً ، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حجة، وعلى المرأة أن تتقي الله وتحرص على طهارتها، فإن الصلاة لا تقبل بغير طهارة ولو صلت مئة مرة، بل إن بعض العلماء يقول‏:‏ إن الذي يصلي بلا طهارة يكفر لأن هذا من باب الاستهزاء بآيات الله سبحانه وتعالى‏.‏

‏(‏239‏)‏ وسُئل ‏:‏ إذا توضأت المرأة التي ينزل منها السائل مستمراً لصلاة فرض ، هل يجوز لها أن تصلي النوافل وقراءة القرآن بذلك الوضوء‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا توضأت لصلاة الفريضة من أول الوقت، فلها أن تصلي ما شاءت من فروض ونوافل وقراءة قرآن إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى‏.‏

‏(‏240‏)‏ سُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ هل يجوز لتلك المرأة أن تصلي صلاة الضحى بوضوء الفجر‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ لا يصح ذلك، لأن صلاة الضحى مؤقتة، فلابد من الوضوء لها بعد دخول وقتها، لأن هذه المرأة كالمستحاضة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة ، ووقت الظهر من زوال الشمس إلى وقت العصر، ووقت العصر من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس ، والضرورة إلى غروب الشمس، ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس‏.‏

‏(‏241‏)‏ وسُئل ‏:‏ هلي يجوز لتلك المرأة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ هذه المسألة محل خلاف ، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل، وجب عليها أن تجدد الوضوء‏.‏

وقيل ‏:‏ لا يلزمها أن تجدد الوضوء وهو الراجح‏.‏

‏(‏242‏)‏ وسُئل ‏:‏ إذا توضأت من ينزل منها ذلك السائل متقطعاً، وبعد الوضوء وقبل الصلاة نزل مرة أخرى فما العمل‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا كان متقطعاً فلتنتظر حتى يأت الوقت الذي ينقطع فيه، أما إذا كان ليس له حال بينه، حيناً ينزل وحيناً لا ، فهي تتوضأ بعد دخول الوقت وتصلي ولا شيء عليها ولو خرج حين الصلاة‏.‏

‏(‏243‏)‏ وسُئل ‏:‏ إذا أصاب بدنها أو لباسها شيء من ذلك السائل، فما الحكم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ إذا كان طاهراً فإنه لا يلزمها شيء، وإذا كان نجساً ، وهو الذي يخرج من المثانة، فإنه يجب عليها أن تغسله‏.‏

‏(‏244‏)‏ وسُئل حفظه الله ‏:‏ إذا كانت المرأة لا تتوضأ من ذلك السائل لجهلها بالحكم فماذا عليها‏؟‏

فأجب بقوله ‏:‏ عليها أن تتوب إلى الله عز جل ثم إن كانت في مكان ليس عندها من تسأله كامرأة ناشئة في البادية ولم يطرأ على بالها أن ذلك ناقض للوضوء فلا شيء عليها، وإن كانت في مكان فيه علماء فتهاونت وفرطت في السؤال فعليها قضاء الصلوات التي تركتها‏.‏

‏(‏245‏)‏ سُئل الشيخ ‏:‏ عمن ينسب إليه القول بعدم نقض الوضوء من ذلك السائل‏؟‏

فأجاب - جزاه الله خيراً - الذي ينسب عني هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قوله أنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء‏.‏

‏(‏246‏)‏ وسُئل ‏:‏ ما حكم غسل الحائض رأسها أثناء الحيض‏؟‏ فبعض الناس يقولون إنه لا يجوز‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ غسل الحائض رأسها أثناء الحيض لا بأس به‏.‏

وأما قولهم لا يجوز فلا صحة له، بل لها أن تغسل رأسها وجسدها‏.‏

‏(‏247‏)‏ سُئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم التزين بالحناء‏؟‏ وفعل ذلك والمرأة حائض‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ التزين بالحناء لا بأس به لا سيما للمرأة المتزوجة التي تتزين به لزوجها، وأما غير المتزوجة فالصحيح أنه مباح إلا أنها لا تبديه للناس لأنه من الزينة‏.‏

وفعل ذلك في وقت الحيض لا بأس به، وقد كثر السؤال عنه من النساء هل يجوز للمرأة أن تحني رأسها أو يديها أو رجليها وهي حائض‏؟‏

والجواب على ذلك‏:‏ أن هذا لا بأس به والحناء كما نعلم يعقبه أثر تلوين بالنسبة لموضعه واللون هنا لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة كما يتوهم، فإذا غسلته المرأة أول مرة زال جرمه وبقيت آثاره الملونة وهذا لا بأس به‏.‏

‏(‏248‏)‏ سُئل الشيخ ‏:‏ هل يجوز وضع الحناء في يديها ورأسها وهي حائض‏؟‏ وهل صحيح أنها إذا ماتت لا تدفن ويدها بيضاء‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ أما المرأة الحائض فيجوز لها أن تتحنى في يديها ورأسها ورجليها ولا حرج عليها في ذلك‏.‏

وأما ما ذكر أن المرأة إذا ماتت وليس في يديها حناء ويداها بيضاوان لا تدفن فهذا ليس بصواب ولا أصل له، فالمرأة إذا ماتت فهي كغيرها إذا كانت من المسلمين تدفن مع المسمنين وإذا كانت من غير المسلمين تدفن مع غير المسلمين، سواء كانت متحنية أم لا ‏.‏

‏(‏249‏)‏ سُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن النفساء إذا اتصل الدم معها بعد الأربعين فهل تصلي وتصوم‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلاً ‏:‏ المرأة النفساء إذا بقي الدم معها فوق الأربعين، وهو لم يتغير، فإن صادف ما زاد على الأربعين عادة حيضها السابقة جلسته، وإن لم يصادف عادة حيضها السابقة فقد اختلف العلماء في ذلك ‏:‏

فمنهم من قال‏:‏ تغتسل وتصلي وتصوم ولو كان الدم يجري عليها ، لأنها تكون حينئذ كالمستحاضة‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنها تبقى حتى تتم ستين يوماً ، لأنه وجد من النساء من تبقى في النفاس ستين يوماً ، وهذا أمر واقع ، فإن بعض النساء كانت عادتها في النفاس ستين يوماً ، وبناء على ذلك فإنها تنتظر حتى تتم ستين يوماً، ثم بعد ذلك ترجع إلى الحيض المعتاد فتجلس وقت عادتها ثم تغتسل وتصلي، لأنها حينئذ مستحاضة‏.‏

‏(‏250‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن امرأة انقطع عنها دم النفاس قبل تمام الأربعين بخمسة أيام، فصلت وصامت، ثم بعد الأربعين عاد الدم فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته قائلاً ‏:‏ إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين ، فإنه يجب عليها أن تصلي، ويجب عليها أن تصوم إذا كان ذلك في رمضان، ويجوز لزوجها أن يجامعها وإن لم تتم الأربعين ، وهذه المرأة التي طهرت لخمسة وثلاثين يوماً يجب عليها أن تصوم وأن تصلي ، وما صامته أو صلته فإنه واقع موقعه، فإذا عاد عليها الدم بعد الأربعين، فهو حيض ، إلا أن يستمر عليها أكثر الوقت فإنها تجلس عادتها فقط ، ثم تغتسل وتصلي ‏.‏

‏(‏251‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين فهل يجامعها زوجها‏؟‏ وإذا عاودها الدم بعد الأربعين ‏.‏ فما الحكم‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله‏:‏ النفساء لا يجوز لزوجها أن يجامعها، فإذا طهرت في أثناء الأربعين، فإنه يجب عليها أن تصلي، وصلاتها صحيحة، ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال، لأن الله تعالى يقول في المحيض ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ‏}‏ فما دام الأذى موجوداً وهو الدم، فإنه لا يجوز الجماع، فإذا طهرت منه جاز الجماع، وكما أنه يجب عليها أن تصلي، ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين، فكذلك الجماع يجوز لزوجها، إلا أنه ينبغي أن يصبر لئلا يعود عليها الدم بسبب الجماع، حتى تتم الأربعين ، ولكن لو جامعها قبل ذلك فلا حرج عليها‏.‏وإذا رأت الدم بعد الأربعين وبعد أن طهرت، فإنه يعتبر دم حيض، وليس دم نفاس، ودم الحيض معلوم للنساء فمتى أحست به فهو دم حيض، فإن استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيراً من الدهر، فإنها تكون مستحاضة، وحينئذ ترجع إلى عادتها في الحيض، فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلي‏.‏ والله أعلم ‏.‏

‏(‏252‏)‏ وسُئل - حفظه الله تعالى - ‏:‏ عن المرأة ترى دم النفاس لمدة أسبوعين ثم يتحول تدريجياً إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة ويستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فهل ينطبق على هذه المادة التي تلت الدم حكم النفاس أم لا‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ هذه الصفرة أو السائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة البينة فإنه تابع لحكم الدم فلا تكون طاهراً حتى تتخلص من هذا، وإذا طهرت وأرت النقاء البين وجب عليها أن تغتسل وتصلي حتى ولو كان ذلك قبل الأربعين، وأما ما يظنه بعض النساء من أن المرأة تبقى إلى الأربعين ولو طهرت قبل ذلك فهذا ظن خطأ وليس بصواب، بل متى طهرت ولو لعشرة أيام وجب عليها الصلاة وجاز لها ما يجوز للنساء الطاهرات حتى الجماع‏.‏

‏(‏253‏)‏ وسُئل ‏:‏ عن المرأة إذا أسقطت في الشهر الثالث فهل تصلي أو تترك الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المعروف عند أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت لثلاثة أشهر فإنها لا تصلي لأن المرأة إذا أسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق إنسان فإن الدم الذي يخرج منها يكن دم نفاس لا تصلي فيه‏.‏

قال العلماء‏:‏ ويمكن أن يتبين خلق الجنين إذا تم له واحد وثمانون يوماً وهذه أقل من ثلاثة أشهر، فإذا تيقنت أنه سقط الدنين لثلاثة أشهر فإن الذي أصابها يكون دم حيض، أما إذا كان قبل الثمانين يوماً فإن هذا الدم الذي أصابها يكون دم فساد لا تترك الصلاة من أجله وهذه السائلة عليها أن تتذكر في نفسها فإذا كان الجنين سقط قبل الثمانين يوماً فإنها تقضي الصلاة وإذا كانت لا تدري كم تركت فإنها تقدر وتتحرى وتقضي على ما يغلب عليها ظنها أنها لم تصله‏.‏

‏(‏254‏)‏ وسُئل ‏:‏ عن حكم الدم الذي يخرج بعد سقوط الجنين‏؟‏

فأجاب قائلاً‏:‏ إذا نزل الجنين فنزل الدم بعده، فإن كان هذا الجنين قد تبين فيه خلق الإنسان، فتبين يداه ورجلاه وبقية أعضائه، فالدم دم نفاس لا تصلي المرأة ولا تصوم حتى تطهر منه، وإن لم يتبين فيه خلق إنسان فليس الدم دم نفاس فتصلي وتصوم إلا في الأيام التي توافق عادتها الشهرية، فإنها تجلس لا تصلي ولا تصوم حتى تنتهي أيام العادة‏.‏

‏(‏255‏)‏ وسُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم الدم الذي يخرج من المرأة بعد سقوط جنينها‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ قال أهل العلم ‏:‏ إن خرج وقد تبين فيه خلق إنسان، فإن دمها بعد خروجه يعد نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها تطهر‏.‏

وإن خرج الجنين وهو غير مخلق ، فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما‏.‏

قال أهل العلم ‏:‏ وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً ، لأن الجنين في بطن أمه - كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه - حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، - وهو الصادق المصدوق - فقال ‏:‏ ‏(‏إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك ويؤمر بأربع كلمات ، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد‏)‏ وعلى هذا فإذا وضعت الجنين لأقل من ثمانين يوماً ، فإن الدم الذي أصابها لا يكون نفاساً ، لأن هذه المدة لا يخلق فيها الجنين، فتصوم وتصلي وتفعل ما تفعله الطاهرات ‏.‏ والله الموفق‏.‏

‏(‏256‏)‏ سُئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم‏؟‏

فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلاً ‏:‏ مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها ، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم ، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت‏.‏

وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت، تفعله بعد دخول الوقت، ثم تصلي، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض ، وفي هذه الحال ومن أجل المشقة عليها، يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر -أو العكس- وصلاة المغرب مع العشاء -أو العكس- حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات ‏.‏ والله الموفق‏.‏

رسالة في الدماء الطبيعية للنساء

قال فضيلة الشيخ جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً‏.‏

أما بعد ‏:‏ فإن الدماء التي تصيب المرأة وهي الحيض ، والاستحاضة، والنفاس، من الأمور المهمة التي تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفة أحكامها، وتمييز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم فيها، وأن يكون الاعتماد فيها يرجح من ذلك أو يضعف على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة ‏:‏

1- لأنهما المصدران الأساسيان اللذان تبنى عليهما أحكام الله تعالى التي تعبد بها عبادة وكلفهم بها‏.‏

2- في الاعتماد على الكتاب والسنة طمأنينة القلب وانشراح الصدر وطيب النفس وبراءة الذمة‏.‏

3- ما عداهما فإنما يحتج له ولا يحتج به‏.‏

إذ لا حجة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك كلام أهل العلم من الصحابة على القول الراجح ، بشرط ألا يكون في الكتاب والسنة ما يخالفه، وأن لا يعارضه قول صحابي آخر ، فإن كان في الكتاب والسنة ما يخالفه وجب الأخذ بما في الكتاب والسنة ، وإن عارضه قول صحابي آخر طلب الترجيح بين القولين ، وأخذ بالراجح منهما، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏‏.‏

وهذه رسالة موجزة فيما تدعو الحاجة إليه من بيان هذه الدماء وأحكامها، وتشتمل على الفصول الآتية ‏:‏

الفصل الأول ‏:‏ في معنى الحيض وحكمته‏.‏

الفصل الثاني ‏:‏ في زمن الحيض ومدته‏.‏

الفصل الثالث ‏:‏ في الطوارئ على الحيض‏.‏

الفصل الرابع ‏:‏ في أحكام الحيض‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في الاستحاضة وأحكامها‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في النفاس وأحكامه‏.‏

الفصل السابع ‏:‏ في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه، وما يمنع الحمل أو يسقطه‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في معنى الحيض وحكمته

الحيض لغة ‏:‏ سيلان الشيء وجريانه‏.‏

وفي الشرع دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة ، بدون سبب ، في أوقات معلومة‏.‏

فهو دم طبيعي ليس له سبب من مرض أو جرح أو سقوط أو ولادة ‏.‏ وبما أنه دم طبيعي فإنه يختلف بحسب حال الأنثى وبيئتها وجوها ، ولذلك تختلف فيها النساء اختلافاً متبايناً ظاهراً ‏.‏

والحكمة فيه أنه لما كان الجنين في بطن أمه لا يمكن أن يتغذى بما يتغذى به من كان خارج البطن، ولا يمكن لأرحم الخلق به أن يوصل إليه شيئاً من الغذاء، حينئذ جعل الله تعالى في الأنثى إفرازات دموية يتغذى بها الجنين في بطن أمه بدون حاجة إلى أكل وهضم تنفذ إلى جسمه عن طريق السرة حيث يتخلل الدم عروقه فيتغذى به، فتبارك الله أحسن الخالقين ‏.‏ فهذه هي الحكمة في هذا الحيض، ولذلك إذا حملت المرأة انقطع الحيض عنها ، فلا تحيض إلا نادراً ، وكذلك المراضع يقل من تحيض منهن لا سيما في أول زمن الإرضاع‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في زمن الحيض ومدته

الكلام في هذا الفصل في مقامين ‏:‏

المقام الأول ‏:‏ في السن الذي يأتي فيه الحيض‏.‏

المقام الثاني ‏:‏ في مدة الحيض‏.‏

المقام الأول ‏:‏ فالسن الذي يغلب فيه الحيض هو ما بين اثني عشرة سنة إلى خمسين سنة، وربما حاضت الأنثى قبل ذلك أو بعده بحسب حالها وبيئتها وجوها‏.‏

وقد اختلف العلماء رحمهم الله ‏:‏ هل للسن الذي يأتي فيه الحيض حد معين بحيث لا تحيض الأنثى قبله ولا بعده، وأن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض‏؟‏ اختلف العلماء في ذلك‏.‏ قال الدرامي بعد أن ذكر الاختلافات‏:‏ كل هذا عندي خطأ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود، فأي قدر وجد في أي حال وسن وجب جعله حيضاً‏.‏ والله أعلم ‏(1)‏‏.‏

وهذا الذي قاله الدرامي هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين، وذلك لأن أحكام الحيض علقها الله ورسوله على وجوده، ولم يحدد الله ورسوله لذلك سناً معيناً، فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علقت الأحكام عليه، وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك‏.‏

المقام الثاني ‏:‏ وهو مدة الحيض أي مقدار زمنه‏.‏

فقد اختلف فيه العلماء اختلافاً كثيراً على نحو ستة أقوال أو سبعة‏.‏ قال ابن المنذر ‏:‏ وقالت طائفة ‏:‏ ‏"‏وليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام‏"‏ ‏.‏ قلت ‏:‏ وهذا القول كقول الدارمي السابق وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصواب لأنه يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار‏.‏

فالدليل الأول ‏:‏ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ فجعل الله غاية المنع هي الطهر ، ولم يجعل الغاية مضي يوم وليلة ولا ثلاثة أيام ولا خمسة عشر يوماً ، فدل هذا على أن على الحكم هي الحيض وجوداً وعدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم ومتى طهرت منه زالت أحكامه‏.‏

الدليل الثاني ‏:‏ ما ثبت في صحيح مسلم ‏(2)‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد حاضة وهي محرمة بالعمرة ‏:‏ ‏(‏افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري‏)‏ قالت ‏:‏ فلما كان يوم النحر طهرت‏.‏ ‏(‏الحديث‏)‏ ‏.‏ وفي صحيح البخاري ‏(3)‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ‏:‏ ‏(‏انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم‏)‏‏.‏ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم غاية المنع الطهر ولم يجعل الغاية زمناً معيناً ، فدل هذا على أن الحكم يتعلق بالحيض وجوداً وعدماً‏.‏

الدليل الثالث ‏:‏ أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها، فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينها الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بياناً ظاهراً لكل أحد، لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام، كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها، والزكاة ‏:‏ أموالها وأنصباؤها ومقدارها ومصرفها، والصيام ‏:‏ مدته وزمنه، والحج وما دون ذلك، حتى آداب الأكل والشرب والنوع والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة، حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها، مما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين، كما قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً ِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ وقال تعالى ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏‏.‏

فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبين أن لا تعويل عليها ، وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي علقت عليها الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً، وهذا الدليل - أعنى أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة، دليل على عدم اعتباره - ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم لأن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع معلوم ، أو قياس صحيح ‏.‏ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له ‏:‏ ‏"‏ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر ، فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة‏"‏ ‏.‏ انتهى كلامه ‏(4)‏‏.‏

الدليل الرابع ‏:‏ الاعتبار أي القياس الصحيح المطرد ، وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى ، فمتى وجد الحيض فالأذى موجود ، لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول ، ولا بين الرابع والثالث ، ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر ، ولا بين الثامن عشر والسابع عشر ، فالحيض هو الحيض ، والأذى هو الأذى ‏.‏

فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء ، فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة‏؟‏ ‏!‏ أليس هذا خلاف القياس الصحيح‏؟‏ ‏!‏ أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة‏؟‏ ‏!‏

الدليل الخامس ‏:‏ اختلاف أقوال المحددين واضطرابها ، فإن ذلك يدل على أن ليس في المسألة دليل يجب المصير إليه ، وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب ، ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر ، والمرجع عند النزاع إلى الكتاب والسنة ‏.‏

فإذا تبين قوة القول إنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره وإنه القول الراجح، فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه فهو دم الحيض من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع أبداً أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فيكون استحاضة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏:‏ ‏"‏والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتى يقوم دليل على أنه استحاضة‏"‏ ‏(5)‏ وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏فما وقع من دم فهو حيض، إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح‏"‏ ‏.‏ ا هـ‏(6)‏‏.‏

وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل ، فهو أيضاً أقرب فهماً وإدراكاً وأيسر عملاً وتطبيقاً، مما ذكره المحددون ، وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته، وهي اليسر والسهولة ‏.‏ قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ‏.‏

حيض الحامل

الغالب الكثير أن الانثى إذا حملت انقطع الدم عنها ، قال الإمام أحمد رحمه الله ‏:‏ ‏"‏إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم‏"‏ ‏.‏ إذا رأت الحامل الدم فإن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين أو الثلاثة ومعه طلق فهو نفاس، وإن كان قبل الوضع بزمن كثير أو قبل الوضع بزمن يسير لكن ليس معه طلق فليس بنفاس، لكن هل يكون حيضاً تثبت له أحكام الحيض أو يكون دم فساد لا يحكم له بأحكام الحيض‏؟‏

في هذا خلاف بين أهل العلم‏.‏

والصواب أنه حيض إذا كان على الوجه المعتاد في حيضها لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيض، إذا لم يكن له سبب يمنه من كونه حيضاً ، وليس في الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل ‏.‏

وهذا هو مذهب مالك والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال في الاختيارات ص 30 وحكاه البيهقي رواية عن أحمد،بل حكى أنه رجع إليه أ هـ ‏.‏ وعلى هذا فيثبت لحيض الحامل ما يثبت لحيض غير الحامل إلا في مسألتين ‏:‏

المسألة الأولى ‏:‏ الطلاق ، فيحرم طلاق من تلزمها عدة حال الحيض في غير الحامل، ولا يحرم في الحامل ، لأن الطلاق في الحيض في غير الحامل مخالف لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أما طلاق الحامل حال الحيض فلا يخالفه ، لأن من طلق الحامل فقد طلقها لعدتها ، سواء كانت حائضاً أم طاهراً ، لأن عدتها بالحمل ، ولذلك لا يحرم عليه طلاقها بعد الجماع بخلاف غيرها‏.‏

المسألة الثانية ‏:‏ عدة الحامل لا تنقضي إلا بوضع الحمل ، سواء كانت تحيض أم لا لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ ‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في الطوارئ على الحيض

الطوارئ على الحيض أنواع ‏:‏

النوع الأول ‏:‏ زيادة أو نقص ، مثل أن تكون عادة المرأة ستة أيام ، فيستمر بها الدم إلى سبعة، أو تكون عادتها في أول الشهر فتراه في آخره‏.‏ وقد اختلف أهل العلم في حكم هذين النوعين، والصواب أنها متى رأت الدم فهي حائض ومتى طهرت منه فهي طاهر سواء زادت عن عادتها أم نقصت، وسواء تقدمت أم تأخرت، وسبق ذكر الدليل على ذلك في الفصل قبله ، حيث علق الشارع أحكام الحيض بوجوده‏.‏

وهذا مذهب الشافعي ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقواه صاحب المغني فيه ونصره، وقال ‏:‏ ‏(7)‏ ‏"‏ولو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولما وسعه تأخير بيانه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته ، وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت، لم يكن ليغفل بيانه، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير‏"‏ ‏.‏ أ هـ ‏.‏

النوع الثالث‏:‏ صفرة أو كدرة، بحيث ترى الدم أصفر ، كماء الجروح، أو متكدراً بين الصفرة والسواد، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض تثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لقول أم عطية رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً‏)‏ ‏.‏ رواه أبو داود بسند صحيح، ورواه أيضاً البخاري بدون قولها بعد الطهر، لكنه ترجم له بقوله باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض‏.‏ قال في شرحه فتح الباري‏:‏ ‏"‏يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها حتى ترين القصة البيضاء وبين حديث أم عطية المذكور في الباب ، بأن ذلك أي حديث عائشة محمول على ما إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالت أم عطية‏"‏‏.‏ أ هـ ‏.‏ وحديث عائشة الذي أشار إليه هو ما علقه البخاري جازماً به قبل هذا الباب ، أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة -شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء- فيها الكرسف ‏(‏القطن‏)‏ فيه الصفرة فتقول ‏:‏ ‏(‏لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء‏)‏ ‏.‏ والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض‏.‏

النوع الرابع ‏:‏ تقطع في الحيض، بحيث ترى يوماً دماً ، ويوماً نقاءً ونحو ذلك فهذان حالان‏:‏

الحال الأول‏:‏ أن يكون هذا مع الأنثى دائماً كل وقتها، فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة‏.‏

الحال الثاني‏:‏ ألا يكون مستمراً مع الأنثى بل يأتيها بعض الوقت، ويكون لها وقت طهر صحيح ‏.‏ فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا النقاء‏.‏ هل يكون طهراً أو ينسحب عليه أحكام الحيض‏؟‏

فمذهب الشافعي في أصح قوليه أنه ينسحب عليه أحكام الحيض فيكون حيضاً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحب الفائق ‏(8)‏ ومذهب أبي حنيفة، وذلك لأن القصة البيضاء لا ترى فيه، ولأنه لو جعل طهراً لكان ما قبله حيضة، وما بعده حيضة، ولا قائل به، وإلا لانقضت العدة بالقرء بخمسة أيام، ولأنه لو جعل طهراً لحصل به حرج ومشقة بالاغتسال وغيره كل يومين، والحرج منتف في هذه الشريعة ولله الحمد‏.‏ والمشهور من مذهب الحنابلة أن الدم حيض والنقاء طهر إلا أن يتجاوز مجموعهما أكثر الحيض فيكون الدم المتجاوز استحاضة‏.‏ وقال في المغني ‏(9)‏ يتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر، بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس، أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم وهو الصحيح - إن شاء الله - لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قال ‏:‏ ‏"‏فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهراً، إلا أن ترى ما يدل عليه، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها، أو ترى القصة البيضاء‏"‏ ‏.‏ أ هـ ‏.‏

فيكون قول صاحب المغني هذا وسطاً بين القولين‏.‏ والله أعلم بالصواب‏.‏

النوع الخامس ‏:‏ جفاف في الدم بحيث ترى المرأة مجرد رطوبة، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهذا حيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لأن غاية حاله أن يلحق بالصفرة والكدرة وهذا حكمها‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في أحكام الحيض

للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة، فمن ذلك ‏:‏

الحكم الأول ‏:‏ الصلاة ‏:‏

فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة،فتجب عليها الصلاة حينئذ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره‏.‏

مثال ذلك من أوله ‏:‏ امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض‏.‏

ومثال ذلك من آخره‏:‏ امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة‏.‏

أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة لا تجب عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة‏)‏ ‏.‏ متفق عليه ، فإن مفهومه أن من أدرك ركعة لم يكن مدركاً للصلاة‏.‏

* وإذا أدركت ركعة من وقت صلاة العصر فهل تجب عليها صلاة الظهر مع العصر، أو أدركت ركعة من وقت صلاة العشاء الآخرة، فهل تجب عليها صلاة المغرب مع العشاء‏؟‏

في هذا خلاف بين العلماء ، والصواب أنه لا يجب عليها إلا ما أدركت وقته، وهي صلاة العصر والعشاء الآخرة فقط ‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر‏)‏‏.‏ متفق عليه، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فقد أدرك الظهر والعصر ولم يذكر وجوب الظهر عليه، والأصل براءة الذمة وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك حكاه عنهما في شرح المهذب ‏(10)‏‏.‏

* وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره ، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر عائشة -رضي الله عنها- وهي حائض فيقرأ القرآن‏.‏

وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية _رضي الله عنها- أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏(‏يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض - يعني إلى صلاة العيدين - وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى‏)‏‏.‏

فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها، قال النووي في شرح المهذب ‏:‏ ‏(11)‏ جايز بلا خلاف‏.‏ وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز‏.‏

وقال البخاري وابن جرير الطبري، وابن المنذر‏:‏ هو جائز، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في فتح الباري ‏(12)‏ وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي لا بأس أن تقرأ الآية‏.‏

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى مجموعة ابن قاسم ‏:‏ ‏(13)‏ ‏"‏ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإن قوله ‏(‏لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن‏)‏ حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث‏.‏ وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة ، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك ، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم‏"‏ ‏.‏ ا هـ ‏.‏

* والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال ‏:‏ الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك‏.‏

الحكم الثاني ‏:‏ الصيام ‏:‏

فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله ، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة - رضي الله عنها - ‏(‏كان يصيبنا ذلك - تعني الحيض - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة‏)‏ ‏.‏ متفق عليه،

وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة ، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً ‏.‏

أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح ، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم إذا هي رأت الماء‏)‏ ‏.‏ فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله‏.‏

وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة‏.‏

وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها،وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر ، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح، لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت ‏:‏ ‏(‏كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان‏)‏ ‏.‏ متفق عليه‏.‏

الحكم الثالث ‏:‏ الطواف بالبيت ‏:‏

فيحرم عليها الطواف بالبيت ، فرضه ونفله ، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت‏:‏ ‏(‏افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري‏)‏‏.‏

وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك‏.‏

الحكم الرابع ‏:‏ سقوط طواف الوداع عنها ‏:‏

فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة ، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ‏:‏ ‏(‏أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض‏)‏ ‏.‏ متفق عليه‏.‏

ولا يستحب للحائض عند الوداع أن تأتي إلى باب المسجد الحرام وتدعو ، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات مبنية على الوارد بل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي خلاف ذلك، ففي قصة صفية - رضي الله عنها - حين حاضت بعد طواف الإفاضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ‏:‏ ‏(‏فلتنفر إذن‏)‏ متفق عليه‏.‏ ولم يأمرها بالحضور إلى باب المسجد ولو كان ذلك مشروعاً لبينه‏.‏

وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت‏.‏

الحكم الخامس ‏:‏ المكث في المسجد ‏:‏

فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه ، لحديث أم عطية - رضي الله عنها - ‏:‏ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏(‏يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض‏)‏ ‏.‏ وفيه ‏:‏ ‏(‏يعتزل الحيض المصلى‏)‏ ‏.‏ متفق عليه‏.‏

الحكم السادس ‏:‏ الجماع ‏:‏

فيحرم على زوجها أن يجامعها ، ويحرم عليها تمكينه من ذلك‏.‏

لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏‏.‏

والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج‏.‏

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏اصنعوا كل شيء إلا النكاح‏)‏ ، يعني الجماع ‏.‏ رواه مسلم‏.‏

ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها ‏.‏

فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم على هذا الأمر المنكر الذي دل على المنع منه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين‏.‏ فيكون ممن شاق الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين، قال في المجموع شرح المهذب ص 374 ج 2 قال الشافعي ‏:‏ ‏"‏من فعل ذلك فقد أتى كبيرة‏"‏‏.‏ قال أصحابنا وغيرهم‏:‏ ‏"‏من استحل وطأ الحائض حكم بكفره‏"‏‏.‏ ا هـ كلام النووي‏.‏

وقد أبيح له ولله الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل، لقول عائشة - رضي الله عنها -‏:‏كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

الحكم السابع ‏:‏ الطلاق ‏:‏

فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ ، أي في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع ، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة ، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع،فتعتد بالحمل،أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر‏.‏

فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وقال ‏:‏ ‏(‏مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء‏)‏‏.‏

فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ، ثم تحيض مرة أخرى ، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها‏.‏

ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل ‏.‏

الأولى ‏:‏ إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها ، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض ، لأنه لا عدة عليها حينئذ ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏‏.‏

الثانية ‏:‏ إذا كان الحيض في حال الحمل ، وسبق بيان سبب ذلك‏.‏

الثانية ‏:‏ إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض‏.‏

مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء عشرة فيأخذ الزوج عوضاً ليطلقها ، فيجوز ولو كانت حائضاً‏.‏ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ ‏(‏يا رسول الله إني ما اعتب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أتردين عليه حديقته‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏ ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت حائضاً أو طاهراً ، ولأن هذا الطلاق افتداء من المرأة عن نفسها فجاز عند الحاجة إليه على أي حال كان‏.‏

قال في المغني معللاً جواز الخلع حال الحيض ص 52 ج 7 ط م ‏"‏لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الشرر الذي يلحقها بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها‏"‏ ‏.‏ أ هـ كلامه‏.‏

وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع‏.‏

الحكم الثامن‏:‏ اعتبار عدة الطلاق به - أي الحيض -

فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة ، إن كانت من ذوات الحيض، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ ‏.‏ أي ثلاث حيض‏.‏ فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ ‏.‏ وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به ، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب ، هذا هو القول الصحيح ، الذي ينطبق على القواعد الشرعية، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم ، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل ، وثلاثة أشهر للعدة‏.‏

* أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة ، فليس فيه عدة إطلاقاً ، لا بحيض ولا غيره لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}

الحكم التاسع ‏:‏ الحكم ببراءة الرحم ‏:‏

أي بخلوه من الحمل ، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل ‏:‏

منها ‏:‏ إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها ، وهي ذات زوج، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض، أو يتبين حملها، فإن تبين حملها، حكمنا بإرثه، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض‏.‏

الحكم العاشر ‏:‏ وجوب الغسل ‏:‏

فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش ‏:‏ ‏(‏فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري‏.‏

وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر ، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً ، حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة - أي قطعة قماش فيها مسك فتطهر بها - فقالت أسماء كيف تطهر بها‏؟‏ فقال سبحان الله فقالت عائشة لها تتبعين أثر الدم‏)‏ ‏.‏ رواه مسلم ‏(14)‏‏.‏

ولا يجب نقض شعر الرأس ، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم ‏(15)‏ من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة‏؟‏ وفي رواية للحيضة والجنابة‏؟‏ فقال ‏:‏ ‏(‏لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين‏)‏‏.‏

وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها ، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل ‏.‏

وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول ‏:‏ إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل ، وتؤدي الصلاة في وقتها ، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في الاستحاضة وأحكامها

الاستحاضة ‏:‏ استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبداً أو ينقطع عنها مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر‏.‏

فدليل الحالة الأولى التي لا ينقطع الدم فيها أبداً ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ‏:‏ ‏(‏قالت فاطمة بنت حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا رسول الله إني لا أطهر ‏.‏ وفي رواية أستحاض فلا أطهر‏)‏‏.‏

ودليل الحالة الثانية التي لا ينقطع الدم فيها إلا يسيراً حديث حمنة بنت جحش حيث جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ ‏(‏يا رسول الله إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة‏)‏ ‏.‏ الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ونقل عن الإمام أحمد تصحيحه وعن البخاري تحسينه‏.‏

أحوال المستحاضة

للمستحاضة ثلاثة حالات ‏:‏

الحالة الأولى ‏:‏ أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم السابق فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، يثبت لها أحكام المستحاضة‏.‏

مثال ذلك امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم طرأت عليها الاستحاضة فصار الدم يأتيها باستمرار ، فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر، وما عداها استحاضة لحديث عائشة - رضي الله عنها - ‏(‏أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت ‏:‏ يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ إن ذلك عرق ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري ، وفي صحيح مسلم ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم حبيبة بنت جحش ‏:‏ ‏(‏امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي‏)‏ ‏.‏ فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر حيضها ثم تغتسل وتصلي ولا تبالي بالدم حينئذ ‏.‏

الحالة الثانية ‏:‏ أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة بأن تكون الاستحاضة مستمرة بها من أول ما رأت الدم من أول أمرها ، فهذه تعمل بالتمييز فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة يثبت له أحكام الحيض، وما عداه استحاضة يثبت له أحكام الاستحاضة‏.‏

مثال ذلك ‏:‏ امرأة رأت الدم في أول ما رأته ، واستمر عليها لكن تراه عشرة أيام أسود وباقي الشهر أحمر ‏.‏ أو تراه عشرة أيام غليظاً وباقي الشهر رقيقاً‏.‏ أو تراه عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له فحيضها هو الأسود في المثال الأول ، والغليظ في المثال الثاني ، وذو الرائحة في المثال الثالث ، وما عدا ذلك فهو استحاضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش ‏:‏ ‏(‏إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق‏)‏ ‏.‏ رواه أبو داود والنسائي ، وصححه ابن حبان والحاكم ‏.‏ وهذا الحديث وإن كان في سنده ومتنه نظر فقد عمل به أهل العلم رحمهم الله ، وهو أولى من ردها إلى عادة غالب النساء‏.‏

الحالة الثالثة ‏:‏ ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً ، فهذه تعمل بعادة غالب

النساء فيكو حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر يبتديء من أو المدة التي رأت فيها الدم ، وما عداه استحاضة‏.‏

مثال ذلك ‏:‏ أن ترى الدم أو ما تراه في الخامس من الشهر ويستمر عليها من غير أن يكون فيه تمييز صالح للحيض لا بلون ولا غيره فيكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة تبتديء من اليوم الخامس من كل شهر ‏.‏ لحديث حمنة بنت جحش - رضي الله عنها - أنها قالت ‏:‏ ‏(‏يا رسول الله ‏:‏ إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام ، فقال ‏:‏ أنعت لك -أصف لك استعمال- الكرسف -وهو القطن- تضعينه على الفرج، فإنه يذهب الدم ، قالت‏:‏ هو أكثر من ذلك‏.‏ وفيه قال ‏:‏ ‏(‏إنما هذا ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي‏)‏ ‏.‏ الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ونقل عن أحمد أنه صححه ، وعن البخاري أنه حسنه‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ستة أيام أو سبعة‏)‏ ليس للتخيير وإنما هو للاجتهاد فتنظر فيما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خلقة ويقاربها سناً ورحماً وفيما هو أقرب إلى الحيض من دمها ، ونحو ذلك من الاعتبارات فإن كان الأقرب أن يكون ستة جعلته ستة وإن كان الأقرب أن يكون سبعة جعلته سبعة‏.‏

حال من تشبه المستحاضة

قد يحدث للمرأة سبب يوجب نزيف الدم من فرجها كعملية في الرحم أو فيما دونه وهذه على نوعين ‏:‏

النوع الأول ‏:‏ أن يعلم أنها لا يمكن أن تحيض بعد العملية مثل أن تكون العملية استئصال الرحم بالكلية أو سده بحيث لا ينزل منه دم ، فهذه المرأة لا يثبت لها أحكام المستحاضة ، وإنما حكمها حكم من ترى صفرة أو كدرة أو رطوبة بعد الطهر، فلا تترك الصلاة ولا الصيام ولا يمتنع جماعها ولا يجب غسل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غسل الدم وأن تعصب على الفرج خرقة، ونحوها، لتمنع خروج الدم، ثم تتوضأ للصلاة ولا تتوضأ لها إلا بعد دخول وقتها، إن كان لها وقت كالصلوات الخمس، وإلا فعند إرادة فعل الصلاة كالنوافل المطلقة‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ ألا يعلم امتناع حيضها بعد العملية بل يمكن أن تحيض، فهذه حكمها حكم المستحاضة ‏.‏ ويدل لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم ، لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏‏(‏إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة‏)‏ ‏.‏ فإن قوله ‏(‏فإذا أقبلت الحيضة‏)‏ يفيد أن حكم المستحاضة فيمن لها حيض ممكن ذو إقبال وإدبار، أما من ليس لها حيض ممكن فدمها دم عرق بكل حال‏.‏

أحكام الاستحاضة

عرفنا مما سبق متى يكون الدم حيضاً ومتى يكون استحاضة فمتى كان حيضاً ثبتت له أحكام الحيض، ومتى كان استحاضة ثبتت له أحكام الاستحاضة ‏.‏

وقد سبق ذكر المهم من أحكام الحيض‏.‏

وأما أحكام الاستحاضة ، فكأحكام الطهر، فلا فرق بين المستحاضة وبين الطاهرات إلا فيما يأتي ‏:‏

الأول ‏:‏ وجوب الوضوء عليها لكل صلاة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم

لفاطمة بنت أبي حبيش ‏(‏ثم توضئي لكل صلاة‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري في باب غسل الدم ‏.‏ معنى ذلك أنها لا تتوضأ للصلاة المؤقتة إلا بعد دخول وقتها‏.‏ أما إذا كانت الصلاة غير مؤقتة فإنها تتوضأ لها عند إرادة فعلها‏.‏

الثاني ‏:‏ إنها إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم، وتعصب على الفرج خرقة على قطن ليستمسك الدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة ‏:‏ ‏(‏أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ، قالت ‏:‏ فإنه أكثر من ذلك، قال ‏:‏ فاتخذي ثوباً قالت هو أكثر من ذلك قال ‏:‏ فتلجمي‏)‏ ‏.‏ الحديث ، ولا يضرها ما خرج بعد ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش ‏:‏ ‏(‏اجتنبي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ، ثم صلي ، وإن قطر الدم على الحصير‏)‏ ‏.‏ رواه أحمد وابن ماجة‏.‏

الثالث ‏:‏ الجماع فقد اختلف العلماء في جوازه إذا لم يخف العنت بتركه، والصواب جوازه مطلقاً لأن نساء كثيرات يبلغن العشر أو أكثر استحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمنع الله ولا رسوله من جماعهن ‏.‏ بل في قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض‏}‏ دليل على أنه لا يجب اعتزالهن فيما سواه ، ولأن الصلاة تجوز منها ، فالجماع أهون ‏.‏ وقياس جماعها على جماع الحائض غير صحيح ، لأنهما لا يستويان حتى عند القائلين بالتحريم والقياس لا يصح مع الفارق‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في النفاس وحكمه

النفاس ‏:‏ دم يرخيه الرحم بسبب الولادة ، إما معها أو بعدها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق‏.‏

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏:‏ ‏"‏ما تراه حين تشرع في الطلق فهو نفاس ولم يقيده بيومين أو ثلاثة ، ومراده طلق يعقبه ولادة وإلا فليس بنفاس‏"‏ ‏.‏ واختلف العلماء هل له حد في أقله وأكثره‏؟‏ قال الشيخ تقي الدين في رسالته في الأسماء التي علق الشارع الأحكام بها ص 37‏:‏ ‏"‏والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره فلو قدر أن امرأة رأت الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين وانقطع فهو نفاس لكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذ فالحد أربعون فإنه منتهى الغالب جاءت به الآثار‏"‏ ‏.‏ ا هـ ‏.‏

قلت ‏:‏ وعلى هذا فإذا زاد دمها على الأربعين ، وكان لها عادة بانقطاعه بعد أو ظهرت فيه امارات قرب الانقطاع انتظرت حتى ينقطع وإلا اغتسلت عند تمام الأربعين، لأنه الغالب إلا أن يصادق زمن حيضها فتجلس حتى ينتهي زمن الحيض، فإذا انقطع بعد ذلك فينبغي أن يكون كالعادة لها فتعمل بحسبة في المستقبل، وإن استمر فهي مستحاضة ، ترجع إلى أحكام المستحاضة السابقة، ولو طهرت بانقطاع الدم عنها فهي طاهر ولو قبل الأربعين، فتغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، إلا أن يكون الانقطاع أقل من يوم فلا حكم له، قاله في المغني ‏.‏

ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق فيكون حكمها حكم المستحاضة ، وأقل مدة تبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل وغالباً تسعون يوماً‏.‏ قال المجد ابن تيمية‏:‏ فمتى رأت دماً على طلق قبلها لم تلتفت إليه وبعدها تمسك عن الصلاة والصيام، ثم إن انكشف الأمر بعد الوضع على خلاف الظاهر رجعت فاستدركت، وإن لم ينكشف الأمر استمر حكم الظاهر فلا إعادة‏.‏ نقله عنه في شرح الإقناع‏.‏

أحكام النفاس

أحكام النفاس كأحكام الحيض سواء بسواء ، إلا فيما يأتي ‏:‏

الأول ‏:‏ العدة فتعتبر بالطلاق دون النفاس لأنه إن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت رجوع الحيض كما سبق‏.‏

الثاني ‏:‏ مدة الإيلاء يحسب منها مدة الحيض ولا يحسب منها مدة النفاس‏.‏

والإيلاء‏:‏ أن يحلف الرجل على ترك جماع امرأته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا حلف وطالبته بالجماع جعل له مدة أربعة أشهر من حلفه، فإذا تمت أجبر على الجماع أو الفراق بطلب الزوجة، فهذه المدة إذا مر بالمرأة نفاس لم يحسب على الزوج ، وزيد على الشهور الأربعة بقدر مدته ، بخلاف الحيض فإن مدته تحسب على الزوج‏.‏

الثالث ‏:‏ البلوغ يحصل بالحيض ولا يحصل بالنفاس ، لأن المرأة لا يمكن أن تحمل حتى تنزل فيكون حصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل ‏.‏

الرابع ‏:‏ أن دم الحيض إذا انقطع ثم عاد في العادة فهو حيض يقيناً ، مثل أن تكون عادتها ثمانية أيام، فترى الحيض أربعة أيام ثم ينقطع يومين ثم يعود في السابع والثامن، فهذا العائد حيض يقيناً يثبت له أحكام الحيض ، وأما دم النفاس، إذا انقطع قبل الأربعين ثم عاد في الأربعين فهو مشكوك فيه فيجب عليها أن تصلي وتصوم الفرض المؤقت في وقته ويحرم عليها ما يحرم على الحائض غير الواجبات وتقضي بعد طهرها ما فعلته في هذا الدم مما يجب على الحائض قضاؤه ‏.‏ هذا هو المشهور عند الفقهاء من الحنابلة والصواب أن الدم إذا عاودها في زمن يمكن أن يكون نفاساً فهو نفاس، وإلا فهو حيض إلا أن يستمر عليها فيكون إستحاضة وهذا قريب مما نقله في المغني ‏(16)‏ عن الإمام مالك حيث قال‏:‏ وقال مالك ‏:‏ ‏"‏إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة يعني من انقطاعه فهو نفاس وإلا فهو حيض‏"‏ ‏.‏ ا هـ وهو مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وليس في الدماء شيء مشكوك فيه بحسب الواقع، ولكن الشك أمر نسبي يختلف فيه النساء بحسب علومهم وأفهامهم‏.‏ والكتاب والسنة فيهما تبيان كل شيء ، ولم يوجب الله سبحانه على أحد أن يصوم مرتين، أو يطوف مرتين، إلا أن يكون في الأول خلل لا يمكن تداركه إلا بالقضاء، أما حيث فعل العبد ما يقدر عليه من التكليف بحسب استطاعته فقد برئت ذمته، كما قال تعالى ‏:‏ ‏{‏لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ وقال ‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏‏.‏

الخامس ‏:‏ أنه في الحيض إذا طهرت قبل العادة جاز لزوجها جماعها بدون كراهة ‏.‏ وأما في النفاس إذا طهرت قبل الأربعين فيكره لزوجها جماعها على المشهور في المذهب ، والصواب أنه لا يكره له جماعها ‏.‏ وهو قول جمهور العلماء، لان الكراهة حكم الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين، فقال لا تقربيني‏.‏ وهذا لا يستلزم الكراهة لأنه قد يكون منه على سبيل الاحتياط خوفاً من أنها لم تتيقن الطهر ، أو من أن يتحرك الدم بسبب الجماع، أو لغير ذلك من الأسباب ‏.‏ والله أعلم ‏.‏

الفصل السابع‏:‏ في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه

* استعمال المرأة ما يمنع حيضها جائز بشرطين ‏:‏

الأول ‏:‏ ألا يخشى الضرر عليها ، فإن خشي الضرر عليها من ذلك فلا يجوز لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً‏}‏‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يكون ذلك بإذن الزوج إن كان له تعلق به مثل أن تكون معتدة منه على وجه تجب عليه نفقتها، فتستعمل ما يمنع الحيض لتطول المدة وتزداد عليه نفقتها، فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه ، وكذلك إن ثبت أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج ، وحيث ثبت الجواز فالأولى عدم استعماله، إلا لحاجة لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة فالسلامة ‏.‏

* وأما استعمال ما يجلب الحيض فجائز بشرطين أيضاً‏:‏

الأول ‏:‏ ألا تتحيل به على إسقاط واجب ، مثل أن تستعمله قرب رمضان، من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة، ونحو ذلك‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يكون ذلك بإذن الزوج ، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه، وإن كانت مطلقة ، فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة‏.‏

* وأما استعمال ما يمنع الحمل فعلى نوعين ‏:‏

الأول‏:‏ أن يمنعه منعاً مستمراً فهذا لا يجوز، لأنه يقطع الحمل فيقل النسل ، وهو خلاف مقصود الشارع، من تكثير الأمة الإسلامية، ولأنه لا يؤمن أن يموت أولادها الموجودون فتبقى أرملة لا أولاد لها‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يمنعه منعاً مؤقتاً، مثل أن تكون المرأة كثيرة الحمل ، والحمل يرهقها ، فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك فهذا جائز ، بشرط أن يأذن به زوجها وألا يكون به ضرر عليها ، ودليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ألا تحمل نساؤهم، فلم ينهوا عن ذلك ‏.‏ والعزل أن يجامع زوجته وينزع عند الإنزال فينزل خارج الفرج‏.‏

* وأما استعمال ما يسقط الحمل فهو على نوعين ‏:‏

الأول ‏:‏ أن يقصد من إسقاطه إتلافه، فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام ، بلا ريب ، لأنه قتل نفس محرمة بغير حق وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين‏.‏ وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه، ومنهم من قال يجوز ما لم يكن علقه ، أي ما لم يمض عليه أربعون يوماً ، ومنهم من قال يجوز ما لم يتبين فيه خلق إنسان‏.‏

والأحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل أو نحو ذلك ، فيجوز إسقاطه حينئذ إلا إن مضى عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع ‏.‏ والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ألا يقصد من إسقاطه إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع فهذا جائز ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم ، ولا على الولد‏.‏وألا يحتاج الأمر إلى عملية ، فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع ‏:‏

الأولى ‏:‏ أن تكون الأم حية والحمل حياَ ، فلا تجوز العملة إلا للضرورة ، بأن تتعسر ولادتها فتحتاج إلى عملية ، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة كبرى ؛ ولأنه ربما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر‏.‏

الثاني ‏:‏ أن تكون الأم ميتة والحمل ميتاً ، فلا يجوز إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة‏.‏

الثالثة ‏:‏ أن تكون الأم حية والحمل ميتاً، فيجوز إجراء العملية لإخراجه، إلا أن يخشى الضرر على الأم لأن الظاهر - والله أعلم - أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية، فاستمراره في بطنها يمنعها من الحمل المستقبل، ويشق عليها، وربما تبقى أيماً إذا كانت معتدة من زوج سابق‏.‏

الرابع ‏:‏ أن تكون الأم ميتة والحمل حياً، فإن كان لا ترجى حياته لم يجز إجراء العملية‏.‏وإن كان ترجى حياته، فإن كان قد خرج بعضه شق بطن الأم لإخراج باقيه، وإن لم يخرج منه شيء، فقد قال أصحابنا رحمهم الله لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل ، لأن ذلك مثله، والصواب أنه يشق البطن إن لم يكن إخراجه بدونه، وهذا اختيار ابن خبيرة قال في الإنصاف ‏(17)‏ وهو أولى ‏.‏

قلت ‏:‏ ولا سيما في وقتنا هذا فإن إجراء العملية ليس بمثله، لأنه يشق البطن ثم يخاط، ولأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ولأن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب‏.‏ والحمل إنسان معصوم فوجب إنقاذه ‏.‏ والله أعلم ‏.‏

تنبيه ‏:‏ في الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل فيما لابد من إذن من له الحمل في ذلك كالزوج‏.‏

وإلى هنا انتهى ما أردنا كتابته في هذا الموضوع المهم ، وقد اقتصرنا فيه على أصول المسائل وضوابطها وإلا ففروعها وجزئياتها وما يحدث للنساء من ذلك بحر لا ساحل له، ولكن البصير يستطيع أن يرد الفروع إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها وضوابطها، ويقيس الأشياء بنظائرها‏.‏

وليعلم المفتي بأنه واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ ما جاءت به رسله ، وبيانه للخلق، وأنه مسئول عما في الكتاب والسنة، فإنهما المصدران اللذان كلف العبد فهمهما ، والعمل بهما، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو خطأ ، يجب رده على قائله ، ولا يجوز العمل به، وإن كان قائله قد يكون معذوراً مجتهداً فيؤجر على اجتهاده لكن غيره العالم بخطئه لا يجوز له قبوله‏.‏

ويجب على المفتي أن يخلص النية لله تعالى ، ويستعين به في كل حادثة تقع به، ويسأله تعالى الثبات والتوفيق للصواب‏.‏

ويجب عليه أن يكون موضع اعتباره ما جاء في الكتاب والسنة ، فينظر ويبحث في ذلك أو فيما يستعان به من كلام أهل العلم على فهمهما‏.‏

وإنه كثيراً ما تحدث مسألة من المسائل ، فيبحث عنها الإنسان فيما يقدر عليه من كلام أهل العلم ، ثم لا يجد ما يطمئن إليه في حكمها ، وربما لا يجد لها ذكراً بالكلية ، فإذا رجع إلى الكتاب والسنة، تبين له حكمهما قريباً ظاهراً وذلك بحسب الإخلاص والعلم والفهم‏.‏

* ويجب على المفتي أن يتريث في الحكم عند الإشكال ، وألا يتعجل ، فكم من حكم تعجل فيه، ثم تبين له بعد النظر القريب ، أنه مخطئ فيه ، فيندم على ذلك، وربما لا يستطيع أن يستدرك ما أفتى به‏.‏

والمفتي إذا عرف الناس منه التأني والتثبت وثقوا بقوله واعتبروه ، وإذا رأوه متسرعاً ، والمتسرع كثير الخطأ ، لم يكن عندهم ثقة فيما يفتي به فيكون بتسرعه وخطئه قد حرم نفسه وحرم غيره ما عنده من علم وصواب ‏.‏

نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم ‏.‏ وأن يتولانا بعنايته‏.‏ ويحفظنا من الزلل برعايته، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم ، على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ‏.‏ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‏.‏

تم بحمد الله تعالى المجلد الحادي عشر

ويليه بمشيئة الله عز وجل

المجلد الثاني عشر

* * *